دراسات عن اللغة الصومالية والتراث الصومالي للباحث الأكاديمي عمر محمد ورسمه

دراسات عن اللغة الصومالية والتراث الصومالي


الإهداء
إلى اللغة التي صمدت أمام عوادي الزمن ,
رغم إهمال أبنائها لها ,وانشغالهم بتصفيات عرقية ,وصراعات قبلية..
إلى"اللغة الصومالية"

يقولون ولا أدري مدى صحة هذا القول - إنَ عمرو بن عثمان بن قنبر (سيبويه) قال عند وفاته : أموت وفي قلبي شيء من حتى , وحقا لا تزال (حتى) توسوس قلوب كثير من النحاة واللغويين حتى يومنا هذا.
هذه أزمة سيبويه ومن نحا نحوه من اللغويين والنحاة , أما أنا فأمسي وأصبح وأنام وأصحو, وفي قلبي شيء من التراث الصوماليَ واللغة الصومالية التي وجدتها لا تمتلك عشيرة تحميها ولا أهل عصمة يفطنون لما فيها .

فاللغة الصومالية من أهم اللغات الحية في القارة السمراء, حيث يقدر ناطقوها بنحو ( 25- 30) مليون نسمة, في كل من جمهورية الصومال , وجيبوتي , وإقليم (أوجادين ) الذي تحتله أثيوبيا حالياً , وإقليم (NFD) الذي تحتله كينيا, ولهذا تكون الصومالية أكبر مجمع لغوي في شرق إفريقيا.

ويذهب طائفة من الباحثين أنها تنتمي إلى مجموعة اللغات( الكوشنية ) الشرقية, بينما البعض الآخر يدرجها في الفرع الجنوبي من اللغات السامية، وهناك بعض اللغويين الذين يذهبون إلى أنها لهجة سامية انحدرت من العربية, وبمرور الزمن اختلطت باللهجات الأفريقية حتى ابتعدت عن أصلها العربي, واستقلت فيما بعد عنها حتى أصبحت لغة مستقلة, لها قوانينها الخاصة في الأصوات والنظام الصرفي والنحوي.

وممن ذهبوا إلى هذا الرأي الدكتور " ممدوح حقي" حسب ما نقل عنه الكاتب الصومالي "عبدالله شيخ علي يلحو" في كتابه (الأدب الصومالي المعاصر ) , وقد حاول الدكتور "حقي" في كتابه (المسح الشامل عن جمهورية الصومال الديمقراطية)الذي لم نعثر عليه كما نقل عنه "عبدالله شيخ علي يلحو" أن يوجد أصولاً عربية لبعض التراكيب الصومالية, وكان له في محاولاته تلك بعض التحليلات الطريفة , وإن كنا نجده يجانب الصواب في أكثر من محاولة.

وتعدَ فكرة التقسيم الأسري للغات امتداد لنظرية (دارون) في الأحياء التي تهتم في تصنيف الأحياء إلى مجموعات, ويتم التعرَف على الانتماء الأسري للغة عادة بالتركيز على مواضع الاختلاف والاتفاق لمجموعة من اللغات ودراستها دراسة مقارنة .


والحقيقة أنَ اللغة الصومالية لغة حية وذات خصائص لغوية ونحوية وفنية, وهي ذات صلة بلغات قديمة مثل لغة الفراعنة القديمة, ولغة الإغريق القدماء, من حيث أنها تمتلك ألفاظا مشتركة مع هاتين اللغتين, فلفظة( قُرَّحْ) تعني الشمس في اللغة الصومالية , وتدل على نفس المعنى في لغة الفراعنة القديمة, وقل مثل ذلك في لفظة( بِيُو) التي تعني الحياة في اللغة الإغريقية, وفي الصومالية (الماء) والعلاقة بين الحياة والماء جدلية.

ويرجع أكثر من نصف مفردات اللغة الصومالية - إن لم يكن أكثر من ذلك – إلى أصول عربية اندثرت مع الزمن وكادت الأيام تبعدها عن جذرها حتى لا يكاد الإنسان العادي يعرف أصولها اللغوية التي انبثقت عنها, ولا تزال طائفة من هذه المفردات واضحة العروبة بحيث أنها لم تلاق أيَ تغيير سواء في الأصوات أو في البناء ..

وإلى جانب اللغة العربية التي تشكل نسبة كبيرة من مفردات اللغة الصومالية لاسيما في الألفاظ الدينية والحضارية – فإنَ اللغة الصومالية قد اقترضت من لغات أخرى مثل الإيطالية والإنجليزية والسواحلية وبعض اللهجات الحبشية.

غير أنَ ذلك لا يعني -في أي حال من الأحوال - أنَ اللغة الصومالية مزيج من ألسن أمم ولغات شعوب أخرى , وإن كان بعض الباحثين يعتبرونها لهجة شعبية عربية تطورت مع الزمن وانفصلت في كثير من تراكيبها وقوانينها اللغوية نتيجة للاختلاط مع اللغات الإفريقية المجاورة.

وليس الاقتراض من اللغات والإفادة منها عيبا , بل إنَ ذلك سنة الحياة وديدن اللغات , وسبيل نموها وتطورها , علما بأنَ اللغات تتعايش وتختلط مع بعضها كما تتعايش الشعوب ويحدث التداخل والاتصال بين أبنائها عن طريق التجارة أو الهجرات التي سببها الحروب أو جفاف الطبيعة , ولكن ينبغي أن يكون الاقتراض على حدود بحيث لا يكون سبيلا لضياع الشخصية أمام الجري وراء الأخذ والاقتراض.

وإذا كان القرآن الكريم – وهو النص الرباني والكتاب المنزل-قد اعترف بالاقتراض على أنه سنة الحياة , وسبيل نهضة اللغات ونموها من حيث الإفادة مما عند الأمم من الحسن, فإنَ تأثر لغة ناشئة مثل اللغة الصومالية بلغة قديمة وتاريخية مثل العربية يعدَ شيئا بديهيا .

ولقد أثير جدل كبير حول مسألة (وجود المعرَب في القرآن) وتعددت الآراء فيها –لا نقول اختلفت- من بين معترف وآخر رافض, وحاول كلَ من الطرفين أن يدعم ادَعاءه بالحجج والبراهين والشواهد, وليس مجالنا الآن الحديث عن هذه المسألة, ولكنَ الذي نريد أن ننتهي إليه هو أن الاقتراض والأخذ من اللغات والإفادة منها لا يعدَ عيبا بل يعدَ إيجابيا, لاسيما إذا تمَ بطريقة علمية فاحصة ودقيقة , وقادرة أيضا على اختيار الأفضل والأنسب.

وقد يقول بعض المغرقين في الوطنية الصومالية – حسب زعمهم - إنه لا وجود للعربية ولا لغيرها من الألسن في اللغة الصومالية , وبهذا بصيرون كمن أنكر وجود الشمس والقمر والأرض ذاتها التي يعيش عليها.

ولكي نوضح هذه المسألة أكثر نكتفي بسوق ثلاثة نماذج نكسر فيها مزاعم هؤلاء , فالفعل( soco ) وهو فعل أمر بمعنى( امش) مأخوذ من الفعل (سعى ) الوارد في الآية الكريمة "وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى", وقل مثل ذلك في فعل الأمر( Namari) الدال على الالتماس ,المأخوذ من (مرَ يمرَ مرورا كما قال في قول الشاعر :

أمرَ على الديار ديار ليلى - أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الدَيار شغفن قلبي - ولكن حب من سكن الديارا

وإذا اتجهنا إلى الأسماء ألفينا فيها ضربا كبيرا من الأسماء المنحوته التي تتكون من مقطع صومالي وآخر عربي, خذ مثلا الاسم (ورسمهwarsame) الذي يتكون من مقطعين الأوَل منهما صومالي النشأة وهو (war) بمعني الكلام (الحديث) , وثانيهما عربي الأصل وهو لفظة (same) المأخوذة من (سمة) بمعنى( الصفة, العلامة, الميزة ), وتدل في الصومالية نفس المعاني.

أما الألقاب الوزارية والمناسب الحكومية فهي أيضا تكتظ بالألفاظ العربية , فالكلمات safiir wasiir mudiir ) ,والألفاظ( wasaarad safaarad diyaarad Xukuumad ) كلها ألفاظ ظاهرة العروبة ,لا تحتاج إلى تفسير وإيضاح.

ويلاحظ أنَ الألفاظ(wasaarad, Safaarad ,Xukuumad , ) وغيرها مثل kuliyad Jamacad , maqaalad ,) قد لحقتها علامة التأنيث في الصومالية التي تقابل تاء التأنيث في العربية , وهي حرف الدال المسبوق بالفتحة القصيرة ( ad )

هذا غيض من فيض وقطرة من بحر , ولا تزال جوانب من الدرس اللغوي الصومالي مطمورة ومخبوءة, وتحتاج إلى البحث عن دفينها, والتنقيب عن ركازها.
وإذا كان السلف من آبائنا وأجدادنا لم يقصروا عن واجبهم إزاء العمل على تطوير اللغة وتوسيع ثروتها , من حيث أنهم لم يتركوا شيئا في الكون إلاَ ووضعوا فيه الأشعار وضربوا فيه الأمثال , رغم العصر البدائي الذي عاشوا فيه, فالواجب على الخلف القيام بالكشف عن هذا التراث , وأن يمسحوا غبار ما عثروا عليه منه 

بقلم الباحث الأكاديمي : عمر محمد ورسَمِه
.
إرسال تعليق (0)
أحدث أقدم