هناك من يستغرب من انضمام الصومال الى جامعة الدول العربية ومع ذلك ليست اللغة العربية لغة رسمية في البلاد، لكي نفهم هذه المعادلة لا بد من معرفة تامة حول وضع هذا البلد .
خريطة الصومال الكبير |
تتكون التركيبة السكانية الحالية للصومال من (34 ):
1- الدارود بأفرعها المختلفة : ماجرتين والمريحان والأوقادين ودلبهانتي.
2- الدر ( Dir) بأفرعها المختلفة : الهوية والإسحاق والدجل والمرقلة والعيسي .
3- أقليات غير صومالية تنقسم إلى :
أ - مجموعات بانتوية ذات أصول زنجية.
ب - مجموعات عربية ذات أصول يمنية وعمانية ، وهذه المجموعات هاجرت إلى الصومال في مطلع القرن الماضي وهم غير الهجرات القديمة المتعاقبة التي امتزجت بالسكان المحليين .
ج – مجموعات ترجع بأصولها إلى شبه القارة الهندية وإيران وكذلك البرتغال .
ووفقا لتقرير الإثنولوج عن الصومال فإن عدد اللغات المتحدثة في البلاد 13 لغة كلها حية ، وهي :
1- العربية.
2- البوني Boni ،ويتحدثها قلة ، إذا وجدوا ، وذلك في عام 1991 .
3- البون Boon ،ويتحدثها 59 متحدثا في عام 2000 .
4- الدابري Dabarre ، ويتحدثها 753ر26 متحدث في عام 2000 .
5- الإنجليزية.
6- القاري Garre ، ويتحدثها 000ر50 متحدث في عام 1992.
7- الجدو Jiiddu ، ويتحدثها 000ر29 متحدث في عام 2000 .
8- الماي Maay ،ويتحدثها 520ر594 متحدث في عام 2000.
9- المشنقولو Mushungulu ، ويتحدثها ما بين 000ر20 إلى 000ر50 متحدث .
10- الأورومو , البورانا – أرسي – قوجي Oromo, Borana – Arsi-Guji ،ويتحدثها 616ر41 متحدث في الصومال وحدها في عام 2000 .
11- الصومالية، ويتحدثها 434ر784ر7 في الصومال (وحدها ) في عام 2000.
12- السواحيلية ، ويتحدثها 000ر40 متحدث في الصومال (وحدها) في عام 1992
13- التوني Tunni ، ويتحدثها 726ر29 في عام (2000 )
والحق أننا إذا استبعدنا السواحيلية والصومالية والأورومو والإنجليزية والعربية والبوني ( وهي لغة تتحدث على الحدود مع كينيا ) فإن ما ذكر على أنه لغات إنما هي أسماء قبائل تتحدث اللغة الصومالية بلهجات تنحدر من اللهجتين الرئيستين للغة الصومالية وهما: ماي Maay ومحاتيري Mahatiri.
استخدم الصوماليون في الماضي اللغة العربية وسيلة للمخاطبة والمراسلة والمعاملات التجارية وتوثيق العقود وتأكيد المواثيق وغير ذلك من المعاملات الدينية والدنيوية ، كما كانت أداة نشر العلوم الدينية وتعليمها بين أفراد المجتمع الصومالي.
وتميزت اللغة العربية - كما يقول بيرند هايني في كتاب له صدر سنة 1970 – بصفة خاصة في مجال الأدب . كما استخدمها المستعمرون في بدايات الاستعمار في المعاملات الرسمية مع الموظفين الصوماليين , وكتبت كل اتفاقات الحماية بها . ويضيف هايني أن العربية اليوم تمثـل إحدى اللغات الرسمية الثلاث , بجانب الإنجليزية والإيطالية ، وتستخدم في كل الوثائق ، والدوريات ، ومكاتبات الدولة بالإضافة إلى الأعمال والأنشطة الخاصة . ويضيف هايني أيضا أن اللغة العربية منتشرة بصورة عامة في كل أنحاء البلاد ووضعها شبيه بوضع استخدامها في مناطق أخرى جنوب الصحراء ، فقد انتشرت كلغة ثانية في كل المدن في الصومال ، إلا أن استخدامها كان محظورا عند بعض الأسر .
وعن هذا الحظر يقول أندرزفيسكي ِ Andrzajewski ( في دراسة صدرت له في عام 1962) إن الصوماليين كانوا يمنعون بناتهم من تعلم اللغات الأجنبية بصورة عامة ، لذا فلم يكن النساء الصوماليات مداخل لتعلم اللغة العربية ، وفي البيت لا يتحدث الأطفال إلا اللغة الصومالية ، وقد كان الرأي السائد وسط الكبار أن استخدام العربية يجب أن يقتصر على الحياة العامة والشؤون الدينية (39) .ويذهب أندرزفيسكي إلى أن تطور اللغة العربية في الصومال ارتبط بالحركة الإسلامية والأنشطة العلمية المصاحبة لها . كما هو الحال في كثير من المناطق الأخرى في إفريقيا ، فمن خلال المدارس القرآنية والمؤسسات التعليمية الأخرى وصلت المعرفة باللغة العربية والدين الإسلامي إلى كل القري النائية ، وكان على الفقهاء والخطباء ورجال الدين تعلمها ، ويقاس تطورهم المهني بقدر معرفتهم لها ، وبه تتحدد مكانتهم..
يستتنج مما تم ذكره أن أهم عائقين ظلا يكبلان العربية في الصومال هما :
1- أن الأمهات لم يكن مداخل لتعليم العربية لأطفالهن.
2- شيوع ثقافة أن استخدام العربية يقتصر فقط على الحياة العامة والشؤون الدينية.
مهما يكن من أمر ، فيمكن تتبع تاريخ اللغة العربية وما تعرضت له ابتداء من مجيء الاستعمار إلى الصومال وانتهاء بحالة اللادولة التي يمر بها الصومال منذ 1991 بانتهاء حكومة سياد بري علي هذا النحو .
لقد وجدت اللغة العربية وحرفها في الصومال محاربة واسعة منذ مجيءالمستعمرين. إذ مثلت محاربة الحرف العربي جوهر السياسات الثقافية الاستعمارية ،ثم قام الاستعمار بمحاربة اللغة العربية وإحلال اللغتين الإيطالية والإنجليزية محلها ، واتخاذهما لغتي إدارة وتعليم ، بالإضافة إلـى محاولات التزييف التاريخي والحضاري
وفي عام 1950 رفع زعماء الشعب الصومالي مذكرة للإدارة الإيطالية في الصومال مطالبين فيها بحسم مسألة اللغة الرسمية للدولة باتخاذ العربية ( لهذا الدور) ، وقد تم في المذكرة اختيار اللغة العربية لغة شعبية رسمية لهذه البلاد للأسباب الآتية :
1- أن اللغة العربية لغة الدين ولغة القرآن الكريم.
2- أن اللغة العربية لغة المحاكم الشرعية في جميع نواحي القطر .
3- أن اللغة العربية لغة التجارة والمكاتبات منذ انتشار الإسلام في هذه البلاد.
4- أن اللغة العربية لغة يتكلم بها غالبية السكان.
5- أن اللغة العربية لغة اختارها الشعب بالإجماع لتكون لغة البلاد الرسمية والشعبية .
ولم يقف الأمر عند هذا الحد ، إذ سجلت المضابط أن أول مجابهة بين الحاكم الإيطالي وممثلي الشعب حينما أنشيء المجلس الإقليمي في أول يناير 1956م ، كانت حول موضوع اللغة ، وفيما بعد ملك الطريق للغة العربية في الصومال بدخول العامل المصري
وبعد أن استقل الصومال عن إيطاليا لم يكن هناك بد من أن تخضع الدولة من منظور عملي لثلاثية لغوية تتكون من الإيطالية والإنجليزية والعربية وهدأت مسألة اللغة ولم تظهر اللغة الصومالية بقوة في هذا المضمار .
غير أن الحال تغير فجأة إذ تبنت حكومة الثورة (1969- 1991) سياسة لغوية جديدة ضمنتها خلق الظروف المناسبة لتطوير أبجدية للغة الصومالية . وفي الذكري الثالثة للثورة أعلن الرئيس الصومالي أنه سيعمل باللغة الصومالية ، وأنه اعتبارا من اليوم ستكون اللغة الرسمية الوحيدة للدولة ، وتم اعتماد الأبجدية اللاتينية لكتابةاللغة الصومالية لاعتبارات عملية . وفي يناير 1973م أصبحت اللغة الصومالية لغة التدريس في المدارس الابتدائية بدلا عن العربية. وبهذه السياسة الجديدة أصبحت العربية ضحية لتوجهات حكومة الثورة . كما أن العربية خسرت كثيرا بتبني كتابة اللغة الصومالية بالأبجدية اللاتينية .
صومالية مع الأغنام |
1- تم اعتمادها كلغة رسمية بعد أن تم اعتماد كتابتها باللاتينية(21 اكتوبر 1972).
2- بعد عامين تم اعتمادها كلغة تدريس في المدارس الابتدائية والثانوية .
3- وبعد ثلاثة أعوام من اعتماد الحرف اللاتيني لها وجدت مساحة صغيرة لتدريسها في الجامعة .وبذلك ضخت فيها هذه السياسة اللغوية وهذا التخطيط اللغوي قوة دفع صلبت عودها وجعلتها أهلا لمنافسة اللغة العربية واللغة الإيطالية واللغة الإنجليزية في مجالات الاستخدام التي اشتهرت بها اللغات الثلاث الأخيرة عبر عقود من التاريخ الحديث والمعاصر للصومال .
وبعد أن انضمت دولة الصومال إلى جامعة الدول العربية في عام 1974م ، يبدو أنها أحرجت قليلا من سياستها اللغوية الداعمة بلا حدود للغة الصومالية ،إذ تم ذلك في يوم 21 اكتوبر 1972، كما أشرنا قبل قليل ، فما كان لها أن تتخلي سريعا عنها فماذا فعلت لتلافي هذا الأمر ؟
بعد حوالي سبع سنوات من اتخاذ قرار تبني اللغة الصومالية لغة رسمية وحيدة للدولة وما ترتب عليها ، وربما انسجاما لتوجه جديد ارتضه حكومة الرئيس الصومالي سياد بري - تم إقرار حملة لتقوية اللغة العربية . ففي عام 1979 صدر الدستور الصومالي ونصت المادة الثانية منه على أن اللغة الصومالية هي لغة الشعب الوحيدة التي يتخاطب بها ويتفاهم بها الصوماليون ، واللغة العربية هي لغة الشعب الصومالي التي تربطه بالأمة العربية التي هو جزء منها ، وهما اللغتان الرسميتان لجمهورية الصومال الديمقراطية.
وفي عام1980 بدأ النظام حملة تقوية اللغة العربية وسط حركة زخم إعلامي ، جندت له وسائل الإعلام ، وفي يوم 27 مارس من العام نفسه أمن مجلس الدولة على توصيات الخطة الخاصة بتقوية اللغة العربية ، وأصدر مجلس الدولة في 19 يونيو من العام نفسه أيضا بعض التوصيات اللاحقة ، والتي جاء فيها: أن نشر اللغة العربية يعتبر في مصلحة الأمة الصومالية لأنها مرتبطة بواقعها الحضاري ، باعتبار الصومال جزءا من الأمة العربية ، وأقر تسخير وسائل الإعلام في استنفار كافة القطاعات الشعبية للمشاركة في حملة تقوية اللغة العربية وتخصيص ساعات معينة لتعليم اللغة العربية في المصالح للعمال والموظفين ، وأمن على التوصيات السابقة
وفي يوم 8 سبتمبر 1980 افتتح الرئيس سياد بري الحملة الخاصة بتقوية اللغة العربية قائلا : إننا نعتبر اللغة العربية قضية مصيرية لما لها من أبعاد سياسية وتاريخية واجتماعية ، وذلك أن اللغة العربية من أهم مقومات الشخصية العربية ، وبناء على ذلك فقد كثفت الجهود المبذولة لتقوية اللغة العربية ... ولكن رغم كل ذلك وحتى سقوط حكومة سياد بري فى عام 1991، ظلت حملة تقوية اللغة العربية قليلة الجدوى ، رغم ما يحيط بها من أسباب الدعاية الحكومى ، ويبدو – آنذاك – أن تحدي عروبة الصومال وقضية اللغة العربية هناك تحتاج إلى تضافر جهود الدول العربية وتسخير إمكاناتها لخدمة حركة الثقافة العربية خصوصا وأن هذه الثقافة ما تزال مركوزة في آلاف المدارس القرآنية والمساجد ، وعكف على خدمتها آلاف الفقهاء . وهى لا شك جهود شعبية تحتاج إلى دعم واسع .
إن حملة تقوية اللغة العربية التي تبناها النظام الصومالي لم تستطع أن ترجعها إلى سابق عهدها في البلاد وتعكس بذلك عجز الحكومة الوطنية التي تبنت في البدء سياسة داعمة بلا حدود للغة الصومالية . ولتغيير هذا الواقع حتى يصبح في صالح العربية آنذاك كان لا بد من النظام العمل على إبعاد الحرف اللاتيني التي كتبت به الصومالية وإدخال اللغة العربية تدريجيا كلغة تدريس في جميع مراحل التعليم وغير ذلك مما سنذكره لاحقا من تطوير مناهج اللغة العربية والدراسات الإسلامية وتأهل أستاذها .
هكذا فشلت عملية إعادة اللغة العربية إلى الصومال في عهد الحكومة الوطنية من جديد فما وضع اللغة العربية بعد أن تفككت الدولة المركزية في عام 1991؟
بصورة عامة لا يوجد تغيـير كبير في وضع اللغة العربية في مرحلة ما بعد سياد بري ، فالصومالية تسيطر على جميع المجالات . إن الإعلام بكافة أجهزته يبث بالصومالية ، وهناك فقـط ثلاث ساعات تبث بالعربية عبر BBC( هيئة الاذاعة البريطانية ) موجة F.M ، وحتى إذاعة القرآن الكريم تبث القرآن الكريم بالعربية ولكن تدخل الصومالية كواسطة في التقديم ، كما لا توجد صحف بالعربية ، وعلى مستوى التعليم يتم التدريس بالعربية فقط في المدارس الأهلية
ومنذ منتصف تسعينات القرن الماضي – كما يذكر عبدالناصر محمد معلم – يلاحظ الزائر لمدينة مقديشو حضورا قويا للغة العربية فمعظم لافتات المحال التجارية والأماكن العامة مكتوبة بها بحيث يخيل إليه أنه يتجول في مدينة عربية فعلا.كما يتنامى إلى مسامعه أصوات الإذاعات العربية كالـ BBC وأشرطة الخطب والمواعظ باللغة العربية للشيخ عبدالحميد كشك وسلمان العودة وغيرهما ، وهي تنبعث من أجهزة الراديو والمسجلات التي عادة ما تلحق بالمطاعم والمقاهي . كما يتابع الأهالي وبعفوية تامة تطورات العالم والمسلسلات العربية من الفضائيات العربية كقناة الجزيرة ، والمستقبل , ويستمعون إلى خطب الجمع التي يلقيها مشايخهم باللغة العربية ، ويحصلون من كل ذلك ( على الأقل ) الفهم العام . وفي هذا إشارة تطور ملحوظ في تقبل العربية والتفاعل معها وإن كان يغلب علي العربية الحضور الشكلي .
أما حاليا فيتم التعليم باللغة العربية عفويا وبجهد شعبي غير منظم، وانتشرت المعاهد الأهلية المتخصصة لتعليم اللغة العربية .. وفي عام 1999 تم تأسيس رابطة التعليم النظامي الأهلي في الصومال بهدف توحيد تلك الجهود وتنسيقها لإيجاد نظام تعليمي موحد وامتحانات مركزية وشهادات معترف بها . والمهم في المسالة أن الرابطة اتخذت من اللغة العربية لغة رسمية لها على قدم المساواة مع اللغة الصومالية ، ويتم التدريس في معظم الدارس التي تنضوي تحت الرابطة باللغة العربية لجميع المواد الدراسية ، إضافة إلى أن مواد اللغة العربية تعد أساسية في مختلف المراحل والصفوف حسب منهج هذه المدارس.
مسجد أربع ركن |
نخلص من استعراضنا السابق فيما يخص وضع اللغة العربية في الصومال إلى أن اللغة العربية وحرفها وجدت محاربة واسعة من المستعمر الإيطالي . وبعد الاستقلال خضعت الصومال لثلاثية لغوية تمثلها الإيطالية الإنجليزية والعربية ، غير أن الحال تغير فجأة فظهرت اللغة الصومالية بقوة بعد ثلاث سنوات من مجيء حكومة الثورة في عام 1969 ، إذ تبنت الثورة سياسة لغوية جديدة تم بموجبها إقرار اللغة الصومالية لغة رسمية للدولة وتمت كتابتها بالحرف اللاتيني , ومنذ ذلك اليوم وحتى الآن أصبحت الصومالية المنافس الأوحد للعربية وخرجت اللغتان الإيطالية والإنجليزية من هذا المضمار ، إلا قليلا .
وفي دستور 1979 تمت إعادة الاعتبار للغة العربية بجعلها لغة رسمية مع الصومالية للدولة ، وتبع ذلك أن تبنت الدولة حملة لتقوية اللغة العربية لكنها لم تبلغ ما هدفت إليه وظلت الصومالية تسيطر على كافة المجالات إلا من بعض المنافذ التي تحاول العربية أن تطل من خلالها ، ويبدو أن اللغة العربية تحتاج إلى سياسة لغوية تمكنها من أداء دورها في التعليم والإعلام والحياة العامة .
وعلى ذلك فإن مستقبل اللغة العربية في الصومال مرهون بكبح جماح اللغة الصومالية والحرف الذى تبنته , وكذلك بسياسة لغوية تجعل منها لغة للتعليم والإعلام .