التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حلق اللحية وإعفائها

تطلق اللحية في اللغة على معنيين متضادتين هما: (1) الطبقة الظاهرة من بعض الأعضاء، كظاهر الكلية والدماغ، ومنه الشعر النابت على الخدين والذقن. تقول: التحى الغلام، أي نبتت لحيته. (2) قشر كل شيء بإزالة الطبقة الظاهرة. تقول: لحا الشجرة والعصا لحياً، أي قشرها ويقال: لا تدخل بين العصا ولحائها، أي لا تدخل فيما لا يعنيك.
وجرى الاستعمال على إطلاق اللحية عند توفيرها، والحلق عند إزالتها. تقول: رجل ألحى ولحياني، أي طويل اللحية. وتقول: رجل حليق أو محلوق، أي أزال شعر لحيته أو رأسه.
ويطلق الفقهاء مصطلح اللحية على الشعر النابت على الخدين والذقن للرجال غالباً.
وحيث إن شعر اللحية في الرجال من طبيعة التكوين الحياتي الذي يحتاج إلى معاهدة وتهذيب نظراً لنموه المستمر طوال عمر الإنسان في الدنيا، فقد أحاله الإسلام إلى سنن الفطرة التي تهدف إلى حفظ كرامة الإنسان وحسن قوامه حسب التعاليم السماوية في كل ملة إلى أن جاء تأكيد القرآن الكريم في قوله سبحانه: ولقد كرمنا بني آدم [الإسراء: 70]، وقوله سبحانه: لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم [التين: 4].
وكان من رحمة الشريعة الإسلامية أن عالجت خصال الفطرة بما فيها مسألة اللحية بنصوص محتملة الدلالات لدفع الفقهاء المتخصصين إلى مداومة الاجتهاد واستنباط الأحكام أو الأوجه الممكن نسبتها للشريعة في كل مسألة ليأخذ من شاء بما شاء من تلك الأوجه الاجتهادية حسب قناعته واطمئنانه على سلامة المقصد التشريعي.
ويمكن إجمال النصوص الشرعية الواردة بشأن اللحية في مجموعتين من الأحاديث.
المجموعة الأولى: الأحاديث التي جعلت اللحية من خصال الفطرة، ومنها: ما أخرجه مسلم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء (أي الاستنجاء)، والمضمضة.
المجموعة الثانية: الأحاديث التي أمرت بترك اللحية، وذلك بصيغة من خمس: الإعفاء، والإيفاء، والإرخاء، والتوفير، والإرجاء. ونذكر تلك الأحاديث فيما يلي:
(1) أخرج الشيخان عن ابن عمر، واللفظ للبخاري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: انهكوا الشوارب، وأعفوا اللحى. وعند مسلم بلفظ: أحفوا الشوارب، وأعفوا اللحى.
(2) أخرج مسلم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خالفوا المشركين: أحفوا الشوارب، وأوفوا اللحى. وأخرجه الطبراني عن ابن عباس بلفظ: أوفوا اللحى، وقصوا الشوارب، وكان إبراهيم عليه السلام يوفي لحيته ويقص شاربه.
(3) أخرج مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى. خالفوا المجوس.
(4) أخرج البخاري عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خالفوا المشركين: وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب. وكان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه.
(5) قال السيوطي في شرح النسائي: قال القرطبي: وقع لابن ماهان حديث ابن عمر بلفظ: أحفوا الشوارب، وأرجوا اللحى. هكذا بالجيم، فكأنه تصحيف، وتخريجه على أنه أراد: أرجئوا من الإرجاء، فسهل الهمزة.
وقال النووي في شرح مسلم: وقع عند ابن ماهان: أرجوا بالجيم. قيل: هو بمعنى أعفوا، وأصله أرجئوا، فحذفت الهمزة تخفيفاً. ومعناه: أخروها اتركوها.
وقد اختلف الفقهاء في دلالة الأحاديث الواردة في شأن اللحية على المذهبين في الجملة:
المذهب الأول: يرى وجوب إعفاء اللحية على الرجال، وتحريم حلقها لغير علة بها في الجملة. وهو مذهب جمهور الفقهاء قال به الحنفية والمالكية والحنابلة والظاهرية وهو ما نص عليه الشافعي في الأم، واعتمده النووي في المذهب. وحجتهم: (1) أن النصوص الآمرة بترك اللحية جاءت بصيغ: أعفوا، وأوفوا، وأرخوا، ووفروا، وأرجوا. وهذا التنوع لتأكيد الأمر، والأصل في دلالة الأمر هو الإيجاب. (2) أن حلق اللحية فيه تغيير لأصل خلقة الرجال، وهو من غواية الشيطان، كما قال سبحانه عنه: ولآمرنهم فليغيرن خلق الله [النساء: 119].
المذهب الثاني: يرى جواز إعفاء اللحية للرجال، وجواز حلقها في الأصل دون كراهة أو تحريم إلا بحسب النية المصاحبة. فإن كان حلقها من أجل التشبه بالمرودة –أي المراهقين قبل الإنبات- كان مكروهاً. [تقول: مرد الغلام مرداً، أي نبت شاربه، فهو أمرد]. وإن كان حلقها استخفافاً بأهلها كان حراما.ً وإلى هذا ذهب الشيخان الشافعيان أبو حامد الإسفرياييني (ت 406هـ)، وأبو محمد الجويني (ت 431هـ)، وتبعهم القاضي عياض من المالكية (ت 544هـ). وقد قيل: إن المعتمد في المذهب الشافعي للحكم والفتوى هو ما عليه الشيخان، ثم ما جزم به الرافعي والنووي، إلا أن قول الشيخين هذا مخالف لما نص عليه الشافعي في الأم، فصار قولهما وجهاً عند الشافعية. وحجتهم: (1) أن الأمر بإعفاء اللحية ورد ضمن خصال الفطرة، كما في حديث عائشة عن مسلم. وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن تلك الخصال مسنونة وليست واجبة في الجملة، وممن نص على ذلك الشوكاني وغيره.
هذا بالإضافة إلى أن خصال الفطرة وردت في الصحيحين بدون اللحية، كما في حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الفطرة خمس – أو خمس من الفطرة- الختان، والاستحداد، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وقص الشارب.
بل أن إعفاء اللحية لم يرد ضمن الكلمات التي ابتلى الله تعالى بها إبراهيم في قوله سبحانه: إذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن [البقرة: 124]، حيث أخرج عبد الرزاق عن ابن عباس قال: إن الله تعالى ابتلاه بخمس في الرأس وخمس في الجسد. في الرأس: قص الشارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسواك، وفرق الرأس. وفي الجسد: تقليم الأظفار، وحلق العانة، والختان، ونتف الإبط، وغسل أثر الغائط والبول بالماء.
(2) أن الأحاديث الآمرة بإعفاء اللحية وتوفيرها ونحوهما محمولة على الاستحباب؛ لكونها معللة بمخالفة المشركين والمجوس، كما في بعض روايات مسلم. وقد ورد في الصحيحين عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء. وهذا دليل على نسخ الأمر بمخالفة أهل الكتاب ويؤيده صلاة المسلمين بغير نعال مع حديث الطبراني عن شداد بن قوس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صلوا في نعالكم، ولا تشبهوا باليهود. وهو عند البزار بلفظ: "خالفوا اليهود، وصلوا في نعالكم، فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا في خفافهم.
ولأن إعفاء اللحية ليس مقصداً شرعياً في ذاته، وليس من سكن عبادياً كشعائر الله التوقيفية، لخضوع اللحية لتهذيب صاحبها فيما أخرجه الإمام مالك في موطئه والبيهقي بسند مرسل جيد عن عطاء بن يسار، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فدخل رجل ثائر الرأس واللحية، فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسم بيده: أن أخرج، كأنه يعني إصلاح شعر رأسه ولحيته، ففعل الرجل ثم رجع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس هذا خيراً من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان.
وقد اختار المصريون الوجه الفقهي عند الشافعية الذي قال به الشيخان أبو حامد الإسفرياييني وأبو محمد الجويني والد أبي المعالي، وهو قول القاضي عياض من المالكية، والذين ذهبوا إلى عدم تحريم حلق اللحية في حكم الأصل؛ لصحة العمل باجتهادهم. فهم أئمة متبعون. وأيضاً قناعة بأن اللحية من المظاهر التي تخضع لتطور الأعراف كغطاء الرأس للرجال، وأن المقصود الشرعي ليس في مجرد إعفاءها، وإنما في حفظ كرامة الإنسان وحسن قوامه وسط أقرانه.
وترك المصريون في الجملة مذهب الجمهور الموجب لإعفاء اللحية ليس تجرؤاً وإنما لكونه اجتهاداً يحتمل الخطأ والصواب، فكان الاختيار للقول الذي يرفع الحرج عن الناس وصدق الله حيث يقول: وما جعل عليكم في الدين من حرج. [الحج: 78].
د/ سعد الدين مسعد هلالي
أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أصل كلمة الشــمــاغ ومعناها في اللغة

أصل كلمة  الشــمــاغ ومعناها في اللغة   الشــمــاغ ..كلمة " شماغ" أو يشماغ أو يشمر .. هي كلمة سومرية ( أش ماخ ) وتعني غطاء الرأس .. لبسه سكان الأهوار في الجنوب وعامة الوسط والجنوب في العراق ... وقد رسموا عليه شبكة الصيد وأمواج الماء .... النمط المستخدم في توزيع الألوان (الأحمر والأبيض) أو غيرهما يعود إلى حضارات ما بين النهرين القديمة ويعتقد أن هذه الأنماط اللونية قد استخدمت محاكاة لشبكات صيد السمك أو إلى سنبلة القمح والحنطة . ويرى بعض الباحثين أن فكرة هذا الغطاء بدأت عندما كان الصياد السومري يضع شبكة الصيد على رأسه اتقاءاً للشمس المحرقة في الصيف فأستحسن الفكرة وحاك غطاء برسم شبكة الصيد وموج الماء ..وأقدم صورة موجودة لتمثال الملك السومري ( كوديا ) في متحف اللوفر بفرنسا وهو يرتدي شماغ ملفوف على الرأس.. يعني السومريين أول من لبس الشماغ. ((منقول)) 

لماذ تحب بعض النساء العلاقة من الخلف

كما هو معلوم فإن منطقة الشرج ليست مهيأة لإدخال القضيب حيث هي مخصصة للإخراج وليس للإدخال. وعلى هذا فإن جماع الشرج مؤلم بالنسبة للمرأة وهذا معروف في علوم الجنس. لكن عندما تسمع أن هناك زوجات يستمتعن بالجماع الشرجي كما يستمتعن بالجماع الطبيعي تتساءل كيف ذلك؟ أسباب تعود البنت لممارسة الجماع الشرجي لا ينكر أحد أن فتحة الشرج لها نهايات عصبية شديدة الحساسية وهي مرتبطة أيضا بالأعصاب المحيطة بمنطقة الفرج. إذا تعودت البنت في علاقاتها السابقة الاتيان من الخلف فهذا يجعلها متعودة وترغب في المستقبل أن تجرب تلك الحركة. وطبعا هذا يختلف بحسب شهوة المرأة، حيث يوجد نساء عندهن شهوة قوية في عمق المهبل ويمكن لهؤلاء أن يجدن لذة عارمة في الجماع الخلفي. عندما تبحث في جوجل عن المشاكل الجنسية لدى الأزواج والزوجات تجد أغلب هذه المشاكل تعود إلى العلاقة من الدبر إما أن يكون الزوج هو الطالب والمرأة هي الرافضة أو العكس. أغلب البنات يتعودن هذا الفعل الشنيع أيام الدراسة في الجامعة حيث تخاف البنت على العذرية وتسلم لصديقها الدبر ومن ثم تتعود هذه المتعة. وإذا تزوجت تشتاق أن تعمل هذا مع الزوج، أما الزوج إذا كان من الذين يحب...

صور القواعد الصاروخية السرية الإيرانية

 القواعد الصاروخية الإيرانية التحت أرضية هي القواعد الصاروخية السرية التي تقع في عمق 500 متر تحت الجبال العالية وتتوزع على مختلف المحافظات والمدن الإيرانية. وتخزن فيها صواريخ متوسطة وبعيدة المدى جاهزة للإطلاق أعلن الجيش الإيراني عن تدشين «أول قاعدة جوية تحت الأرض» للطائرات المقاتلة، باسم «عقاب 44»، في مكان غير معروف، وذلك بعد نحو 10 أيام من تعرض منشأة عسكرية لهجوم إسرائيلي في أصفهان. ونقلت «رويترز» عن وكالة «إرنا» الرسمية، أن قاعدة «عقاب 44» قادرة على تخزين وتشغيل مقاتلات وطائرات مسيرة. ووصف تقرير الوكالة، قاعدة «عقاب 44» بأنها واحدة من «أهم قواعد» القوات الجوية للجيش، مشيراً إلى أنها مبنية على عمق كبير تحت الأرض، وبها مقاتلات مجهزة بصواريخ كروز بعيدة المدى.