لأول مرة منذ عشرين عاما تعود شرطة المرور إلى شوارع العاصمة الصومالية مقديشو، للتعامل مع جيل من السائقين لم يعرف أنظمة المرور أبدا ، فضلا أن معظم السيارات في مقديشو لاتحمل لوحات وأرقاما مما يصعب على الشرطة توثيق المخالفات المرورية.
وقد بدأت الحكومة الصومالية مؤخرا وضع إشارات المرور وعلامات الطرق على بعض التقاطعات الرئيسية في العاصمة ، لكن السائقين الجدد لم يتأقلموا مع هذه الإشارات لعدم معرفتهم بها. كما أن آخرين يتجاهلونها لأنهم يعرفون أن شرطة المرور غير قادرة على محاسبتهم.
دراجة واحدة
صافرة شرطي المرور غابت عن شوارع العاصمة الصومالية خلال العشرين عاما المنصرمة حيث اعتاد سائقو السيارات على القيادة في شوارع المدينة في أي اتجاه دون التقيد بأنظمة المرور.
وتعاني شرطة المرور من نقص شديد في العدد والعتاد، حيث يبلغ عدد عناصرها نحو 170 فردا فقط ويملكون دراجة نارية واحدة لمطاردة المخالفين.
يقول العقيد علي حرسي الذي عين مؤخرا قائدا لشرطة المرور لبي بي سي إنه استلم قيادة شرطة المرور وليس في حوزتها أي من مستلزماتها الضرورية لإعادة أنظمة المرور إلى شوارع العاصمة حتي أن مقرشرطة المرور لا يزال مهدما بسبب الحرب.
وأضاف حرسي " شرطة المرور في مقديشو تعمل بصعوبة بالغة، وليس لدينا سيارات كافية لعمل شرطة المرور، ولا رافعات لإزاحة السيارات المخالفة عن الطريق أو رفع السيارات التي تتعرض للحوادث ."
وإضافة إلى ذلك فإن ما يقلق شرطة المرور هو التعامل مع جيل جديد من السائقين الذين لا يحملون رخص قيادة السيارات التي تم استحداثها مؤخرا. كما أن هذا الجيل لم يعرف في حياته شرطي المرور ولا يعرف علامات الطريق وبالتالي ينظرون إلى شرطي المرور الذي بيده الصافرة باستخفاف وقد يصل الوضع ببعضهم إلى تهديده أو الاعتداء عليه.
استغاثة بالقبيلة
ويشير قائد شرطة المرور في مقديشو إلى هذا الوضع وقد علت وجهه ابتسامة استغراب " يأتيني بعض مالكي السيارات التي يتم احتجازها بسبب المخالفات التي ارتكبها سائقوها ويهددوننا باستخدام السلاح إذا لم نفرج عن سيارتهم وينظرون إلينا وكأننا عصابة استولت على سيارته.
ويضيف حرسي " يحدث أحيانا أن تضبط شرطة المرور سيارة بسبب مخالفة ارتكبها سائقها، فيتصل السائق بمليشيات قبيلته لتنقذه ويقول لهم إن سيارتي تتعرض للسطو".
المشكلة الأخري التي تواجه شرطة المرور في مقديشو هي تسجيل المركبات، فاستيراد السيارات يتم بشكل عشوائي عبر عدد من المنافذ البحرية التي لا تخضع لسيطرة الحكومة الصومالية ولا تحمل أية أرقام، وبناء على ذلك فإن معظم السيارات التي تسير في شوارع مقديشو غير مسجلة ولا تحمل أرقاما رسمية وبعضها يحمل أرقام الدول التي استوردت منها، ويتم بيعها في الأسواق المحلية مثلها مثل أي بضاعة أخري عادية. ويستوثق المشترون من سمعة تاجر السيارات أو يطمئنون إلى قبيلته للرجوع اليها في حالة وقوع نزاع محتمل حول ملكية السيارة ، ويحدث عادة أن تنتقل السيارة من مالك إلى آخر بهذه الطريقة.
الثقة أهم
ويتوزع ضباط المرور مقديشو صباحا في 37 تقاطعا رئيسيا في المدينة، وتتم الاستعانة أحيانا برجل شرطة مسلح بغرض حماية رجال المرور العزل . فالسائقون يتجاهلون التعليمات التي يصدرها رجل الشرطة، ويكون حضور رجل الشرطة المسلح مهمّا عندما يتعلق الأمر بتسجيل السيارة أو وضع الأرقام الحكومية عليها ، حيث يتم اصطحاب السيارة إلى مركز شرطة المرور ويتم احتجازها حتى تدرج في السجلات الرسمية.
السائق أحمد تعلم قيادة السيارات من دون معلم. وعمل مساعدا لسائق شاحنة إلى أن أصبح سائقا .
يقول أحمد إنه لا يحمل رخصة ، ولا يعرف طريقة استخراجها أيضا. ويشير إلى أن المهم أن صاحب السيارة الذي يعمل لديه يثق به كسائق جيد.
انعدام الأمن يشير الشكوك في إمكانية ضبط المرور في العاصمة الصومالية.
ويتابع أحمد " أوقفتني شرطة المرور مرة، وفرضوا علي غرامة مالية لأنني لا أحمل رخصة كما قالوا لي ، والسيارة التي أسوقها غير مسجلة، وقد سجل المالك الذي أعمل لديه السيارة ، ووضع عليها لوحة أرقام رسمية ثم أطلق سراحي وعدت إلى السياقة. "
الطرق أولا
وينظر عبد الله ، وهو سائق حافلة عمومية في مقديشو إلى مشكلة المرور من زاوية أخرى، ويقول "الشرطة تتحدث فقط عن رخصة القيادة وتعليق اللوحات، ولا يتحدثون عن ترميم الطرق المليئة بالمطبات ، فليبدأوا هم أولا بذلك، إذ ليس من الإنصاف أن تطالب أصحاب السيارات بشيء دون توفير أهم متطلبات المرور وهو الشارع الصالح للاستخدام".
ويتحدث محمود، وهو ضباط شرطة مرور، لبي بي سي عن أمر كان سائدا في مقديشو خلال السنوات الماضية ، وهو أنه في حالة حدوث صدام بين سيارتين فإن صاحب السيارة الأكثر تضررا هو الذي يطالب بالتعويض وإن كان هو الطرف المخطئ، ولذلك نلقى صعوبة في إقناع المخطئ بدفع التعويض وتحمل تبعات خطئه المروري .
ومن الأمور المعتادة أيضا، استخدام السلاح للهرب من الزحام المروري في مقديشيو. ويقول محمود" أحيانا يطلق السائق بعض الرصاصات من بندقيته في الهواء كي يفسح الأخرون له الطريق ويترك الآخرين مكدسين في الشارع" .
ويعتقد محمود ان الانفلات المروري في شوارع مقديشو هو نتيجة للانفلات الأمني والسياسي في عموم البلاد ، وهذا ما يعطي الانطباع بأن نجاح السلطات الصومالية في تطبيق أنظمة المرور على سائقي المركبات بشكل فعال يحتاج إلى وقت طويل.
المصدر: بى بى سى
تعليقات
إرسال تعليق